أما بالنسبة للغزو الوافد الذي اصطنعه الاستعمار وتأثر به كثير من الْمُسْلِمِينَ، فقد خُيَّلَ إليهم أن الجهاد خاصٌ بعصور الهمجية والانحطاط.
يقولون: إن الإِنسَانية لما كانت في عصور الهمجية والانحطاط -في المرحلة التي أشار إليها المحللون والمفكرون الغربيون ومنهم كونت صاحب المدرسة الوضعية وغيرها- مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الخرافة، والسحر، والكهانة.
المرحلة الثانية: مرحلة الدين.
والمرحلة الثالثة: مرحلة العلم، ومرحلة الدولة الحديثة التي ظهرت ابتداءً من الثورة الفرنسية التي أعلنت مساواة النَّاس في الحقوق والواجبات، ولذلك فليس هناك من مجال لأن يقتل الإِنسَان أخاه الإِنسَان
وهكذا يصدرون هذا الكلام لنا.
ولم يشهد العالم حروباً دامية مدمرة مثل الحروب التي دارت في أوروبا منذ الثورة الفرنسية إِلَى الآن، مثل حرب السبعين وهي الحرب المشهورة بين الإنجليز والفرنسيين، والحروب بين ألمانيا وفرنسا، والحروب بين ألمانيا وانجلترا "الحربان العالميتان" حروب طاحنة، ويقولون: إن ميثاق الثورة الفرنسية -الذي أصبح بعد ذلك أكثر تطوراً بميثاق حقوق الإِنسَان- قد تكفل بأن يعيش العالم الإِنسَاني أسرة واحدة -يسمونها الأسرة الدولية- وكلهم إخوة وأحبة، وعلى ضوء مواثيق الأمم المتحدة لا يكون هناك قتال بين الناس، وعقدوا اتفاقيات تسمى اتفاقيات تحريم الحرب، منها اتفاقيات باريس، ثُمَّ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك اتفاقيات تحريم الرق، ويقولون: إن الإِنسَان أصبح إنساناً حراً متحضراً متطوراً.
وقد تسامى وترفع عن عصور الانحطاط والجاهلية، التي كَانَ الإِنسَان يهاجم فيها أخاه الإِنسَان ويغزوه، وهذا الكلام يصدر إِلَى العالم الإسلامي ويشاع ويكتب، بل حتى كتب عن الجهاد في الإسلام بما يؤيد هذه الفكرة الاستعمارية والخديعة الماكرة، في حين أن الغرب لم يتخلَّ قط عن الأخذ بأسباب القوة، فالذي يُدرس في أوروبا يقال علناً في كل مكان وهو: "إن الحياة صراع والبقاء للأقوى"، هذا قانون علمي يدرَّس كنظرية علمية في الأحياء وفي الجيلوجيا وفي غير ذلك.
وكذلك في واقع الحياة، ولهذا لا مجال لرحمة ضعيف هزم، في حين أنهم يصدرون إلينا المعاني الإِنسَانية التي تتضمن ترك هذا الواجب العظيم من الواجبات التي فرضها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى هذه الأمة، فتصبح الأمة الإسلامية ذليلة تابعة، وقد أسهمت الصوفية والمرجئة وغيرهم في إلغاء الجهاد، وفي كتاب أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية للدكتور علي العلياني تفصيل لهذه الأمور.